الديناصورات كانت تتبع نظامًا غذائيًا أيضًا! أسرار التغذية التي تعود إلى 150 مليون سنة مخبأة في أسنانها

نعم، لم تسمعوا خطأً. الديناصورات كانت تتبع نظامًا غذائيًا أيضًا. وليس نحن من نقول ذلك، بل الباحثون من جامعة تكساس في أوستن. فقد كشفت دراسة حديثة أن بعض الديناصورات كانت انتقائية في طعامها تمامًا مثل الحيوانات المعاصرة، وأن الأنواع المختلفة كانت تفضل أجزاءً مختلفة من النباتات.

ولكن، كيف يمكننا أن نعرف ماذا كان يوجد في طبق ديناصور عاش قبل 150 مليون سنة؟

الجواب مذهل للغاية: في نظائر الكالسيوم الموجودة داخل مينا الأسنان!

نظائر الكالسيوم: المذكرات الغذائية المخفية داخل الحفريات

🧪 النظائر هي التوقيعات الكيميائية للكائنات الحية.

🦴 الكالسيوم في الأسنان والعظام يعكس التاريخ الغذائي للكائن.

🔍 العلماء يقيسون هذه الفروقات لفك شفرة النظام الغذائي للديناصورات.

في السنوات الأخيرة، بدأ العلماء في الحصول على معلومات مذهلة ليس فقط من خلال دراسة أشكال أو أحجام الحفريات، بل أيضًا من خلال تحليل تركيبها الكيميائي. ومن بين هذه العناصر المهمة نظائر عنصر الكالسيوم (Ca).

نظائر الكالسيوم، تمامًا مثل أرقام الهوية التي تميز الكائن الحي، تعكس نمط تغذيته وموقعه البيئي. وذلك لأن الكالسيوم الموجود في هياكلنا العظمية وأسناننا يأتي من الطعام الذي نتناوله.

أثناء تناول الطعام، وعندما يمتص جسمنا الكالسيوم، تحدث فروقات طفيفة بين النظائر، ويُعرف هذا علميًا باسم “التجزؤ النظائري”. فعلى سبيل المثال، تقوم الحيوانات بإدخال النظائر الأخف من الكالسيوم في هياكلها العظمية بينما تُبقي الأثقل خارجها. ولهذا السبب تمتلك الكائنات الواقعة في مستويات مختلفة من السلسلة الغذائية — أي العواشب واللحوميات — قيمًا مختلفة لنظائر الكالسيوم.

يُقاس هذا الاختلاف بقيمة تُعرف باسم Ca⁴⁴/⁴⁰Ca. وهذه القيمة تعمل كآلة زمن حقيقية لعلماء الحفريات، إذ تساعدهم على فهم ما كان يتغذى عليه كل ديناصور قبل 150 مليون سنة.

مسرح البحث: محجر كارنيغي

أُجري هذا البحث المذهل في محجر كارنيغي الواقع ضمن منطقة نصب الديناصورات الوطني في ولاية يوتا. وتُعرف هذه المنطقة بحفرياتها المحفوظة بشكل رائع والتي تعود إلى العصر الجوراسي المتأخر، أي قبل حوالي 150 مليون سنة.

قام الباحثون بتحليل نظائر الكالسيوم في أسنان خمسة أنواع مختلفة من الديناصورات وُجدت في هذا الموقع.

Camarasaurus

عاشب ضخم ذو عنق طويل.

Camptosaurus

عاشب أقصر قامة، قادر على المشي على قدمين.

Diplodocus

عاشب آخر معروف بجسده الضخم وذيله الطويل.

Allosaurus

لاحم يمشي على قدمين، مشهور بفكيه القويين.

Eutretauranosuchus

مفترس أصغر حجمًا يشبه التمساح.

نظرًا لأن عظام وأسنان جميع هذه الديناصورات جاءت من نفس المنطقة، أي من نفس النظام البيئي، أصبح من الممكن إجراء تحليل مقارن بينها.

لكن لماذا مينا الأسنان؟

قد يتساءل الكثيرون: “لماذا يدرسون الأسنان وليس العظام؟”

  Cevالإجابة منطقية جدًا: تتعرض الحفريات عبر ملايين السنين لتغيرات كيميائية تُعرف باسم التحول التحجري (الدياغينيز). أي أن العظام المدفونة تحت الأرض تتفاعل مع المعادن المحيطة بها بمرور الوقت، وقد يتغير تركيبها. لكن مينا الأسنان أكثر كثافة وأقل مسامية من العظام، ولهذا السبب تُحفظ الإشارات النظائرية البيولوجية بشكل أفضل داخل مينا الأسنان.

بعبارة أخرى، يهمس لنا مينا الأسنان بعادات الديناصور الغذائية الحقيقية أثناء حياته.

تفضيلات الديناصورات الغذائية

كانت نتائج البحث مذهلة للغاية. فعلى الرغم من أن جميع هذه الكائنات الضخمة كانت تتغذى على النباتات، إلا أنها لم تكن تفضل الأنواع نفسها من النباتات.

اتضح أن الكامبتوصور كان ديناصورًا “ذو ذوق رفيع”. فقد كان يفضل النباتات الطرية ذات القيمة الغذائية العالية، مثل الأوراق والبراعم.

أما الكاماراصور، فعلى العكس، كان يختار النباتات الخشبية والأشجار الصنوبرية.

أما الديبلودوكس فكان في موقعٍ وسطي بين الاثنين؛ إذ كان “متنوع التغذية”، يأكل كلًا من السرخسيات الطرية والنباتات الأكثر صلابة.

بمعنى أن حتى الديناصورات العاشبة كانت تملك “قوائم غذائية” مختلفة تمامًا عن بعضها البعض!

لم تكن هذه الاختلافات نتيجة تفضيلات الذوق فحسب، بل كانت أيضًا مرتبطة ببنية الأجسام وطول الأعناق. فالسلالات ذات الأعناق الطويلة كانت قادرة على الوصول إلى الأغصان العالية، بينما اضطرّت الأقصر قامةً إلى الاكتفاء بالنباتات القريبة من الأرض. بل إن الباحثين يشيرون إلى أن شكل الأنف ربما كان له دور في تحديد نوع النباتات التي اختاروها.

وماذا عن آكلي اللحوم؟

تمت أيضًا دراسة الديناصورات اللاحمة. فقد وُجد أن قيم نظائر الكالسيوم لدى الألوصور والإيوتريتورانوسوخوس متقاربة جدًا، مما يشير إلى أنهما كانا يتغذيان أحيانًا على أنواع متشابهة من الطعام.

لكن عند التعمق في التفاصيل تظهر الفروقات:

  • كان الألوصور على الأرجح يصطاد الديناصورات العاشبة التي كانت تعيش في المنطقة،
    بينما يُحتمل أن الإيوتريتورانوسوخوس كان يتغذى في الغالب على الكائنات المائية مثل
  • الأسماك.
وهكذا، رغم أن كلا النوعين كانا من آكلي اللحوم، إلا أن بيئتهما الغذائية كانت مختلفة تمامًا عن بعضهما البعض.

لماذا يُعد هذا مهمًا؟

لم يقتصر هذا البحث على اكتشاف ما كانت تأكله الديناصورات، بل قدّم أيضًا دلائل مهمة حول كيفية عمل الأنظمة البيئية القديمة.

كانت الأنظمة البيئية التي عاشت فيها الديناصورات خلال العصر الجوراسي المتأخر مختلفة تمامًا عن الأنظمة البرية الحالية. وكانت تنوعات العواشب العملاقة المعروفة باسم السوروبودات تجعل من الصعب فهم كيفية تقاسم الموارد فيما بينها.

وهنا جاء دور نظائر الكالسيوم:

  • أظهرت الفروقات في النظائر بين الأنواع أيّ الديناصورات كانت تتغذى على أيّ النباتات،
    وفي الوقت نفسه كشفت العلاقات داخل السلسلة الغذائية في النظام البيئي — أي من
  • كان يأكل من.

وقد فتح ذلك أمامنا نافذة جديدة تمامًا لفهم العلاقات البيئية بين الكائنات التي عاشت قبل ملايين السنين.

همسات جاءت بعد 150 مليون سنة

باختصار، نظائر الكالسيوم المخفية في عظام الديناصورات وأسنانها تروي لنا قصة من 150 مليون سنة مضت. في هذه القصة، بعض الديناصورات تطارد الأوراق في الأغصان العالية، وأخرى تكتفي بالأعشاب القريبة من الأرض، بينما هناك من يصطاد الأسماك على ضفاف البحيرات.

لا تساعدنا هذه الاكتشافات على فهم الماضي فحسب، بل تمكّننا أيضًا من تفسير السلوكيات البيئية للحيوانات التي تعيش في يومنا هذا بشكل أفضل.

من كان يظن أن الكالسيوم في أسنان المخلوقات العملاقة التي عاشت قبل ملايين السنين سيخبرنا بما كانت تأكله؟

نعم، يبدو أن حتى الديناصورات كانت تتبع “نظامًا غذائيًا” خاصًا بها. 🦖🥦

Picture of Helin
Helin

الكاتب

ركن المنشورات

المغنيسيوم وفوائده: البطل الصامت لجسمنا

المغنيسيوم هو البطل الخفي لجسمنا. على الرغم من أنه غالبًا ما لا يلاحظ، إلا أنه...
Oku

تعرّف على الجينسنغ: مخزن طاقة لبشرتك!

هل تبدو بشرتك متعبة قليلاً عندما تنظرين في المرآة صباحًا؟ وكأنها فقدت حيويتها وإشراقها؟ إذن...
Oku
Yutulabilir biyoyazıcı kapsülün vücut içinde doku onarımı yaptığı konsept görsel.

الطابعة القابلة للبلع: الخيال العلمي يصبح حقيقة!

ليست خيالًا علميًا! قريبة جدًا من أن تصبح حقيقة! هل فكرت يومًا في فكرة “ابتلع...
Oku

ركن الفعاليات